باقة من الترانيم المسيحية للأب منصور لبكي
مقدمة
وُلد الأب منصور لبكي عام 1940 في بلدة بعبدات الجبلية بلبنان، ونشأ في بيئة دينية مارونية ساعدت في تشكيل وعيه الروحي والثقافي. تابع دراساته اللاهوتية في فرنسا، وهناك انفتح على المدارس الفكرية الغربية المعاصرة. بعد رسامته الكهنوتية عام 1966، عاد إلى لبنان لينخرط في العمل الرعوي والثقافي والاجتماعي. تنوعت أدواره بين التعليم، الإعلام، الموسيقى، والعمل الإنساني، حيث أسس مؤسسات لرعاية الأيتام وضحايا الحرب الأهلية. ومع مرور الوقت، برز كأحد أبرز الشخصيات الدينية المسيحية وأكثرها تأثيرًا في الساحة اللبنانية. لكن مسيرته شهدت لاحقًا منعطفات صادمة ستغير مجرى تاريخه كليًا.
ترانيم الأب منصور لبكي
- أبتي (فيديو)
- ليلة الميلاد (فيديو)
- انشالله القمحة (فيديو)
- آمنت ربي
- يا أرحم الراحمين (فيديو)
- عرفت بأن تعثر دربي (فيديو)
- توكلنا على اللهِ
- تعال بيننا
- أترك كل شيء
- في ظلّ حمايتكِ
- قلبي مهيّـا مغارة
- ليلة الميلاد
- ربي جسدك
- طوبى للرحماء
- طوبى لفاعلي السلام
- أنت وحدك دعوت
- يا رب السلام
- علمني حبك يا الله
- يا عطش الأرواح
- يا أرحم الراحمين

كلمات ترنيمة عرفتَ بأن قد تعثٌر دربي
1- عرفتَ بأن قد تعثٌر دربي فجئتَ إليٌ تقود خطايٌ
وتعرفُ أني بحبكَ ربي أهيمُ كصبٍ وفيك هوايُ
وليس لدربي سواك رفيقُ يا الله يا الله
2- نهبت الطريق أسائلُ عنكَ بحيرةِ ضعفي وأوهاميا
سمعتُ الخليقةَ تنشد لحنًا لقلبي فتنعشُ إيمانيا
حلت لي الإقامة داخل بيتك يا الله يا الله
3- شجاني أنين اليتيم يضيعَ بصخب الحياة ولا من يجيبْ
رأيت عيونَ الشريد تتيهُ وشمسُ المحبة عنه تغيبْ
فأشرف عليَّ بأنوار وجهك يا الله يا الله
4- إذا غبت عني شردتُ بذاتي غرقتُ بحزني دهاني الضجر
وإن كنتَ فيَّ حييتُ فرحتُ نثرتُ الطيوب فرشت الزهرْ
تطيبُ الحياة تطيبُ بقربك يا اللهُ يا اللهُ
سيرة الأب منصور لبكي <h2 “>النشأة والتعليم والتكوين
>نشأ في عائلة مؤمنة في جبل لبنان، حيث بدأ تعليمه الأساسي في مدارس رعوية. منذ صغره، أظهر ميولًا فكرية وفنية بارزة، فتوجّه نحو العلوم اللاهوتية والفلسفية. انتقل إلى فرنسا للدراسة في جامعات كاثوليكية عريقة، مما سمح له بالاطلاع على التراث الغربي. أسهمت هذه المرحلة في تنمية حسه الأدبي واللغوي، فأتقن الفرنسية بطلاقة. عاد إلى لبنان وهو يحمل طموحات لتحديث لغة الكنيسة وتجديد أساليب التبشير. تركت هذه المرحلة أثرًا كبيرًا في شخصيته اللاهوتية والتربوية.
تأسيس جمعيات للأطفال واللاجئين
في خضم الحرب الأهلية اللبنانية، أطلق الأب منصور لبكي مشاريع لرعاية الأطفال المتضررين. أسس جمعية “بيت سيدة الفرح” التي احتضنت الأطفال المسيحيين والمسلمين على السواء. كان يؤمن أن الموسيقى والتعليم هما سبيل النجاة من العنف والطائفية. من خلال الجوقات التي أنشأها، درّب آلاف الأطفال على الغناء والتأمل الروحي. شكلت هذه المبادرات نواة لتجربة فريدة في المصالحة وبناء السلام. لاقت مشاريعه دعمًا شعبيًا واسعًا داخل لبنان وخارجه.
الإنجازات الموسيقية والدينية
ألّف أكثر من 60 ترتيلة أصبحت جزءًا من التراث الليتورجي الماروني، كما كتب أناشيد دينية ووطنية أثرت في أجيال متعاقبة. كانت أغنيته “أعطنا ربي” من أشهر الأعمال التي غنّتها ماجدة الرومي، ولاقت انتشارًا واسعًا في الكنائس. دمج في أعماله بين الشعر العربي والموسيقى الغربية بأسلوب مؤثر وشفاف. هدفت موسيقاه إلى بث السلام الداخلي والخشوع في النفوس. رافقت تراتيله العديد من المناسبات الوطنية والدينية في لبنان وفرنسا. كثير من المستمعين لا يزالون يجدون فيها روحًا تأملية مميزة.
نشاطه الإعلامي والفكري
لم يقتصر تأثيره على المجال الكنسي، بل امتد إلى الصحافة والإعلام الثقافي. أسس مجلة “الفصول” التي ناقشت قضايا فكرية وروحية ولغوية بروح تجديدية. قدم برامج إذاعية وتلفزيونية، عبّر فيها عن مواقفه الاجتماعية واللاهوتية بجرأة. تميز خطابه بالجمع بين الحداثة والروحانية، مما لفت انتباه جمهور واسع. شارك في ندوات فكرية مع شخصيات فرنسية ولبنانية مرموقة. حاول دائمًا تقريب الكنيسة من الإنسان المعاصر وتحدياته.
عمله في فرنسا وتأسيس مراكز الدعم
بعد انتقاله إلى فرنسا، أسس مركز “لو تدحال” لاستقبال أطفال لبنانيين متضررين من الحرب. ثم أطلق مركز “بيت سيدة أطفال لبنان” في نورماندي، لتقديم التعليم والرعاية النفسية. هدف من هذه المراكز إلى توفير ملاذ آمن للطفولة المتألمة. دمج فيها التربية الموسيقية والروحية ضمن بيئة تربوية شاملة. عمله هناك حظي بدعم من الجاليات اللبنانية والفرنسية. هذه المؤسسات كانت في حينها مرجعًا في العمل الإنساني الكنسي خارج الوطن.
حضوره الإنساني في الحرب اللبنانية
في مجزرة الدامور 1976، كان له حضور بارز في حماية الأطفال من براثن الحرب. فتح ديره ومدارسه لاستقبال الناجين، دون تفرقة دينية أو مناطقية. أسهمت مبادراته في الحفاظ على حياة مئات الأطفال، كما قدم لهم التعليم والرعاية. كان يرى في الطفل تجسيدًا للمسيح المتألم، ويؤمن بوجوب إعطائه الحنان الكامل. هذه المرحلة رسخت صورته كراهب فاعل لا يتهرب من أزمات بلده. كان حضوره الإنساني يتقدم على أي خطاب سياسي أو مذهبي.
الحكم الكنسي النهائي في الفاتيكان
في عام 2012، أُدين الأب منصور لبكي من قبل المجمع الفاتيكاني بعد تحقيقات داخلية استمرت سنوات. الاتهامات شملت اعتداءات جنسية على قاصرات خلال الاعترافات، وتم تأكيد الإدانة في 2013. رغم إنكاره المتكرر، اعتبر الفاتيكان الحكم نهائيًا وغير قابل للاستئناف. هذا القرار هزّ صورة الكاهن الملهم في الأوساط الكنسية والشعبية. الكثير من المتابعين صدموا من حجم الوقائع المتهم بها. القرار مثّل بداية مرحلة سقوط الثقة به دوليًا.
الأحكام القضائية الدولية
التجريد من الرتبة الكهنوتية
في سبتمبر 2022، أعلن الفاتيكان رسميًا تجريد الاب منصور لبكي من الكهنوت وعودته للحالة العلمانية. القرار جاء بعد ضغوط من منظمات دولية وتحقيقات معمّقة. لم يعد بإمكانه أداء أي دور ديني أو تعليمي في الكنيسة. بيان الفاتيكان شدد على حماية الكرامة الإنسانية والعدالة للضحايا. هذه الخطوة كانت تاريخية بالنسبة لكنيسة المشرق. عزز القرار من مصداقية الكنيسة أمام الرأي العام المتألم من هذه القضايا.
إرث متناقض بين النور والظلال
إرث الأب منصور لبكي معقّد، إذ ترك خلفه تراتيل مؤثرة ومؤسسات خدمية كبيرة. لكن ظلت الإدانة تضع ظلًا على مجمل إنجازاته السابقة. يرى البعض أن أعماله الخيرية لا تسقط خطاياه الأخلاقية والجنائية. بينما يعتبر آخرون أن الحكم عليه لا يلغي الخير الذي زرعه. النقاش حوله ما زال حيًا في المجتمع الديني والثقافي. لقد أصبح اسمه مرآة تعكس تناقضات القوة والضعف في الشخصية الكنسية.
المجتمع المدني والدفاع عن الضحايا
حشدت الإدانة منظمات غير حكومية وشبكات للناجين في فرنسا ولبنان. نأى المتعاونون السابقون بأنفسهم عنه، وشطبته المؤسسات. طالب الضحايا بتعويضات ودعم نفسي واعتراف رسمي. واعتذرت بعض الشخصيات العامة التي أشادت به علنًا. وتفكك إرثه تدريجيًا بأصوات الناجين. أشار هذا التحول إلى تحول ثقافي نحو المساءلة بدلًا من الكاريزما.
الصمت العام والمنفى
منذ صدور الحكم، يعيش الأب منصور لبكي في عزلة نسبية في لبنان. لم يُصدر أي تصريحات أو مقابلات هامة. بعد أن كان شخصية بارزة، أصبح الآن غائبًا عن الأنظار إلى حد كبير. التزمت السلطات الدينية الصمت، متجنبةً المواجهة. أدى صمته إلى تكهنات وجدل، وألم مستمر للضحايا. يتناقض اختفاؤه مع سلطته الروحية التي كانت حاضرة في كل مكان. إنه صمتٌ يُعبّر عن الكثير.
تأملات لاهوتية حول الفضيحة
أثارت قصته تساؤلاتٍ لاهوتيةً عميقةً حول الخطيئة والثقة والعدالة. جادل بعض اللاهوتيين بأن الكاريزما يجب أن تُقيّد دائمًا بالمساءلة. وحذّر آخرون من تقديس القادة على حساب الحقيقة. وبدأت مناهج المعاهد اللاهوتية تُدرج مواد جديدة حول الأخلاقيات الرعوية وحدودها. وأصبحت قضيته مثالًا تحذيريًا في ورش عمل الكنيسة، إذ أثارت تساؤلاتٍ مؤلمةً، وإن كانت ضرورية، حول القيادة الروحية والسلطة.

بين الإعجاب والخيانة
يُقرأ إرث الأب منصور لبكي الآن بنبرتين متناقضتين: إعجابٌ بعبقريته الإبداعية وخيانةٌ لانتهاكاته. يكافح الكثيرون للتوفيق بين الواقعين. يعتقد البعض أنه يجب الحفاظ على أعماله، بينما يُطالب آخرون بإزالتها. لا تزال الكنيسة تبحث عن كيفية تخليد ذكراه بمسؤولية. تُمثل قضيته تحديًا أوسع نطاقًا تواجهه المؤسسات الدينية حول العالم. ما تبقى هو ذكرى منقسمة – جزءٌ منها مقدسٌ وجزءٌ منها فاضحة.
الأب منصور لبكي: خاتمة
إن سيرة الأب منصور لبكي تحمل في طياتها ملحمة إنسانية حقيقية، بين القداسة والانكسار. لقد كان راهبًا ملهمًا للآلاف، ملحنًا ومفكرًا وإنسانيًا بارعًا، صنع من عمله وسيرته في البدايات مصدر أمل لليائسين، خاصة في فترات الحرب. لكن النهاية جاءت صادمة، فثبوت التهم عليه، وتجريده من الكهنوت، ومحاكمته الدولية، حوّلت اسمه من رمز روحي إلى ملف قضائي معقّد.
القصة ليست مجرد محاكمة، بل دعوة صريحة لإعادة التفكير في أنظمة الحماية داخل المؤسسات الدينية. يجب أن يكون صوت الضحايا دائمًا أقوى من هيبة المقامات، وأن تُعيد الكنيسة التوازن بين الرحمة والعدالة. تبقى هذه السيرة، بما تحمله من ازدواجية، مرآة للإنسان في ضعفه وقداسته، وفي قدرته على العطاء وفي احتماله للسقوط أيضًا.

