بآلام المسيح وموته على الصليب جرى دم الغفران على البشرية
بآلام المسيح وموته على الصليب جرى دم الغفران على البشرية جمعاء
يا أبتِ اغفر لهم، لأنّهم لا يفهمون ما يفعلون (لو 23: 34).. بآلام المسيح وموته على الصليب، تكفيراً وفداءً عن خطايا البشر، جرى دم الغفران على البشرية جمعاء. فغفر أوّلاً للصالبين والهازئين. وككاهن قدّم ذاته ذبيحة غفران ومصالحة رفع صلاة الابتهال والتشفّع إلى أبيه السماوي: “يا أبتِ، اغفر لهم لأنّهم لا يفهمون ما يفعلون” (لو 23: 34).
1. بعظمة من حبّه علّل يسوع خطيئتهم بجهلهم
“لا يفهمون ما يفعلون.” فالجهل يُخفّف من مسؤوليتهم عن الخطيئة، ويفتح أمامهم السبل للتوبة. وبذلك أعطى أمثولة للجميع في أن الجهل هو في أساس كلّ خطأ يرتكبه الإنسان. ذلك أن الإدارة تعمل بما يملي عليها العقل. فلا بدّ من تثقيف العقل بالحقيقة ليسلم من الجهل.
بطرس بدوره علّل قتل الربّ بجهل الشعب عندما خاطبهم قائلاً: “لقد أنكرتم القدّوس البارّ، والتمستم العفو عن قاتل. فقتلتم سيّد الحياة، لكنّ الله أقامه من بين الأموات، ونحن شهود على ذلك… إنّي أعلم أنّكم فعلتم ذلك عن جهل” (أعمال 3: 14، 15، 17).
وبولس الرسول تكلّم عن جهله الشخصي في ما ارتكب من خطأ في حياته الماضية، فكتب إلى تلميذه طيموتاوس: “أنا الذي كنت في ما مضى مجدّفاً مضطهّداً عنيفاً، ولكني نلتُ الرّحمة لأني كنت أفعل ذلك بجهالة، إذ لم أكُنْ مؤمناً، ففاضت عليّ نعمة ربّنا مع الإيمان والمحبّة في المسيح يسوع” (1 طيم 1: 13-14).
2. تفوت الإنسان بسبب جهله حقائق وأفعال إلهية عُظمى
ما يعني أنّ الجهل مسؤوليّة وخطأ جسيم بحدّ ذاته. فلا يجوز الوقوع فيه أو البقاء في حالته. بل ينبغي السعي إلى المعرفة وتثقيف العقل وإنارة الضمير. يدعونا الإرشاد الرّسولي “الكنيسة في الشرق الأوسط” إلى تحمّل مسؤوليّتنا كمسيحيين، مواطنين أصليين وأصيلين في بلداننا المشرقيّة، ونُعلن إنجيل الله، إنجيل الحقيقة والمحبّة والسلام، إنجيل الأخوّة الشاملة والعدالة بين الناس.
إنّ ظُلمة الجهل تُوقع شرقنا في ظلمات العنف والحرب والإرهاب. فلتكُن فينا غيرة بولس الرسول وروح المسؤوليّة التي عبّر عنها بالقول: “الويلُ لي إن لم أكرز بالإنجيل”. 1) كور 9: 16). (راجع الإرشاد الرسولي، فقرة 85-86).
3. كان الهازئين بيسوع الجاهلون ثلاث فئات
الأولى، فئة المارّة الذين حقّروه في عدم قدرته: “يا أيّها الذي ينقض الهيكل ويبنيه في ثلاثة أيّام، خلّصْ نفسك وانزلْ عن الصليب.” (مر 15: 29-30) لكنّهم لم يعرفوا أنّه في تلك الساعة كان يتحقّق خراب الهيكل، ويتكوّن الهيكل الجديد. وكانت العلامة أنّ عند موت يسوع انشقّ حجاب الهيكل إلى اثنَين، من فوق إلى أسفل (متى 27:
51؛ مر 15: 38؛ لو 23: 45). فانشقاق الحجاب يعني أمرَين: الأوّل، نهاية عهد الهيكل القديم وذبائحه ورموزه، وبداية تحقيق المصالحة مع الله بالمسيح المصلوب؛ والثاني، انفتاح العبور إلى الله الذي تجلّت محبّته اللامتناهية في ابنه الإلهي المصلوب، ذلك أنّ حجاب الهيكل الداخلي كان يحجب وجه الله عن الشعب، وكان يدخله رئيس الأحبار مرّة في السنة.:
4. الفئة الثانية تتألّف من أعضاء المجلس
الكهنة والكتبة والشيوخ. هؤلاء كانوا يسخرون ويقولون: “خلّص غيره، ولا يقدر أن يُخلّص نفسه! هو ملك إسرائيل، فلينزلْ الآن عن الصّليب، فنؤمن به. اتّكل على الله، فليُنقذه الآن، إن كان راضياً عنه. فقد قال: “أنا ابن الله” (متى 27: 41-43) لكنّهم لم يفهموا أنّ في عدم قدرته الخارجية انكشف أنّه ابن الله. في سخريتهم ظهرت حقيقة سرّ يسوع المسيح. والله نفسه سيخلّصه بطريقة تختلف عن نزوله عن الصليب. وبالقيامة سيحرّره من الموت ويُعلن بنوّته الإلهيّة.
5. الفئة الثالثة تتألّف من اللصين اللذين صُلبا معه
كانا مُجرمَين، أمّا يسوع فبريء. واحد منهما أدرك حقيقة براءة يسوع، وتبيّن له أنه يكشفُ وجه الله، وأنّه ابن الله. فصلّى: “يا يسوع، أذكرني متى تأتي في ملكوتك”. (لو 32: 42). وأدرك، من خلال علّة صلبه المكتوبة فوق رأسه: “يسوع الناصري ملك اليهود” (يو 19: 19)، أنّه بالحقيقة الملك الحقيقي المُنتظر. فطلب أن يكون بقربه في مجده، كما هو بقربه على الصّليب. في الواقع، إنّ الكتابة “ملك اليهود” هي بمثابة إعلان لملوكيّته أمام تاريخ العالم. فيسوع رُفِع على عرش الصليب، وسيجتذبُ إليه الجميع بحبّه اللامتناهي من مكان عطيّة ذاته العُظمى.
جواب يسوع: “اليوم تكون معي في الفردوس” (لو 23: 43) يُبيّن أنّ يسوع كان يعرف أنّه يدخل مباشرة في الشركة مع الآب، ويستطيع أن يعد لصّ اليمين بالفردوس منذ الساعة. وكان يعلم أنّه سيُعيد الإنسان إلى الفردوس الذي سقط منه، إلى تلك الشركة مع الله حيث سعادة الإنسان الحقيقية.
هذا اللصّ الصالح أصبح في تاريخ المسيحيّة صورة الرجاء، اليقين المُعزّي بأنّه يُمكن الحصول على رحمة الله في آخر لحظة؛ واليقين بأنّه، بعد حياة خاطئة ضالّة، تبقى الصّلاة إلى جودة الله ذات فاعلية. نصلي في الليتورجيا: “أنتَ الذي استجبتَ اللّصّ، أعطيتني أنا أيضاً الرّجاء.”:
6. ووراء جهل الصالبين والهازئين
كانت تولد من آلام المسيح وموته على الصليب عروسته الكنيسة، وكأنّها استُلَّت منه، مثلما استَلَّ الله حوّاء من ضلع آدم النّائم (تك 2: 21-22). وتمثّلت الكنيسة في شخص “المرأة” مريم، وتمثّل أبناؤها وبناتها في شخص يوحنا: “يا امرأة، هذا ابنكِ! ويا يوحنا هذه أمّك”. (يو 19: 26-27). وُلدت الكنيسة في الواقع عندما طعنه أحد الجنود بحربة، وهو ميت. فجرى منه دمّ وماء، علامة المعمودية والقربان.
المرأة – الكنيسة سيَراها يوحنا في رؤياه “امرأة ملتحفة بالشمس، والقمر تحت قدميها، وعلى رأسها إكليل من اثني عشر كوكباً، وهي حامل وتصرخ من ألم المخاض .وظهر تنين كبير. ووقف أمامها ليبتلع الولد الذي ستلده.
فنجّاها الله بعنايته. فغضب التنين ومضى يُحارب نسل المرأة الذين يحفظون وصايا الله، وعندهم شهادة يسوع المسيح. فوقف على رمل البحر” (رؤيا 12: 1-18). هي الكنيسة، بأبنائها وبناتها ومؤسّساتها، يضطهدها تنين الشرّ، لكنّ “قوى الجحيم لن تقوى عليها”. (متى 16: 18).
7. ولمّا بلغ يسوع ذروة محبّته للعالم، ببذل ذاته ذبيحة فداء
وبإجراء المصالحة بين الله والناس، وبتأمين استمراريّة حضوره الخلاصي الدائم في جسده السرّي الذي هو الكنيسة، وبجعل مريم أمّه بالجسد أمّاً بالنعمة للكنيسة، قال: “لقد تمّ كلّ شيء” (يو 19: 30)، لقد “أحببت حتى النهاية” (يو 13: 1). وعند الساعة الثالثة بعد الظهر صلّى صلاة المزمور 31: “يا أبتِ بين يديك أستودع روحي” (لو 23: 6؛ مر 31: 6) وأسلمَ الرّوح.
موت يسوع على الصليب حدث كوني وليتورجي. هو حدث كوني، لأنّ الشمس أظلمت، وحجاب الهيكل انشقّ إلى اثنين من فوق إلى أسفل، والأرض زلزلت، وقام بعض من الأموات، حسب رواية الإنجيليين. وهو حدث ليتورجي، لأنّ قائد المئة الذي أشرف على عمليّة الصلب، آمن واعترف قائلاً: “بالحقيقة، كان هذا ابن الله” (مر 15: 39). فكان إيمانه بداية انفتاح الكنيسة على الوثنيين.
وهكذا، انطلاقاً من الصليب، يريد الرّبّ أن يجمع كلّ الناس في جماعة جديدة هي الكنيسة الجامعة. وفي الساعة التي مات فيها يسوع، كانت تُذبَح في الهيكل حملان الفصح التي لا يُكسر لها عظم، حسب شريعة موسى (راجع خروج 12: 46). فيظهر يسوع حمل الفصح الحقيقي، النّقي الكامل، الذي لم يُكسَر له عظم، بل طُعِنَ بحربة في قلبه، فجرى الغفران للعالم مع الحياة الجديدة.
إنّه بالحقيقة “حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم” (يو 1: 29)، كما تنبّأ عنه يوحنا المعمدان، غداة اعتماده في نهر الأردنّ. إليه نرفع أفكارنا وقلوبنا ملتمسين من محبته غفران خطايانا، ومصالحتنا مع الله والذات وكلّ إنسان. له السجود والشكر هاتفين: نسجد لك أيها المسيح ونباركك. لأنّك بصليبك خلّصت العالم”. آمين
بكركي، (زينيت)
المزيد من التأملات الروحية
- صليب المسيح هو الكلمة التي بها رد الله على شر العالم
- ارجعوا إلي بكل قلوبكم وبالصوم والبكاء والنوح
- رسالة خاصة من يسوع لكل قلب وكل روح
- طريق العودة إلى الله والرجوع عن الخطيئة والتوبة إليه
- رسالة ميلادية من مسيحيي سوريا إلى طفل المغارة
هلم إلى الطفل يسوع في المغارة – تأملات ميلادية
المعنى العميق للكلمات السبع الأخيرة ليسوع المسيح على الصليب
تقنيات إدارة الاكتئاب للوقاية من الانتحار: أفضل الممارسات
صلاة طلب معونة الله عند التجارب والمحن
شكرا يا رب على نعمك التي لا تعد ولا تحصى
أقوال القديس أنطونيوس الكبير عن الحياة والإيمان
لقـــــــاح ضـــــــد كــــــورونا فيــــــروس