هل مات الضمير ولم يعد له وجود بين البشر؟

4.6
(26)

هل مات الضمير ولم يعد له وجود بين البشر؟

سؤال نردده دائماً! هل مات الضمير وماتت معه الإنسانية؟ هل ما زال لهذا الضمير مكان في قلوب وعقول البشر! ما هو مفهوم الضمير في عقول الناس وما هي الآلية التي يعمل بها؟

حينما يموت الضمير تموت الإنسانية

حينما يموت الضمير، تموت معهُ الكثير من الأشياء، وتصبح بلا لون أو معنى ومُباحةٍ، ويصبح معها الإنسان مُجرد هيكل جامد، فارغ، صداهُ في داخلهِ فقط! موت الضمير مُشكلةٌ هو، يعاني منها من تطالهُ خيوط الأفكار المسمومة الممزوجة بازدواجية السلوك، ومُشكلة أكبر يصبح حينما يتعارض مع قيم الحياة والأخلاق والإنسانية بشكل لافت للنظر.

جلستْ مع نفسي أفكر وسرحت بخيالي إلى كل ما يحدث في واقعنا، فقلت أصبح إنسان هذا الزمان غير مفهوم، مُبهم التصرفات، مزدوج الميول، غير آبه بأحدٍ، بحيث أصبح همهُ الأكبر ذاتهُ فقط (طبعًا بنسبة)! لا نعلم هل الحياة بتطوراتها هي من تفرض عليه هذا، أم الحاجة تدفعهُ، أم هو باتْ من نفسهِ يمشي عكس التيار، ولا يُعطي للحياة مقامُها الذي لا بد أن تكون فيهِ، ليكون هو فيها.

هل مات الضمير ولم يعد له وجود بين البشر؟
هل مات الضمير ولم يعد له وجود بين البشر؟

لو نظرنا نظرة خاطفة للأحداث الحاصلة حولنا بمُجملها بدون تمييز، سنرى فيها أن الضمير الإنساني عند موتهِ، يلعب دورهُ ببراعةٍ، ويلهّو فوق جثث الآخرين، مُوسعًا في حياتهِ من المُباحات وراكنًا إليها! كما نراهُ يسعىّ بشكل فعلي إلى: كلام الزور، الخيانة، التدمير، تزييف التاريخ، هدم الحقيقة، المشاكل، القتل، الحروب الغير مُبررة، تدمير بيوت الله، السلوكيات الغير أخلاقية، هونّ الكثير من الأشياء والأمور… الخ

هل مات الضمير؟

جميع هذه المصائب تتوالى على البشرية بسبب الإنسان وموت ضميره! فـهل مات الضمير وماتت معه الإنسانية؟ مع الأسف بات الضمير عملة نادرة وبات الإنسان مُجرد خادم لرغباتهِ، والمصالح أصحبت هي الغالبة والمُسيطرة، والاستغلال والنفاق بات شعار الكثيرين للوصول إلى مآربهم! أصبحت الازدواجية في الأقوال والأفعال جزء لا يتجزأ من حياة الكثيرين!

وربما قد لا تكون هذه هي الأسباب الوحيدة، فهناك الحالات النفسية الناتجة بسبب الأحداث المارّة في الحياة، هي الأخرى تلعب دورها في داخل البعض وتدفعهم إلى طريق آخر غير طريقهم، يسلكونهُ عند غياب الفكر، وقد يفيقون بعد حين أو يستمرون عليها، ومع ذلك هي ليست مُرتكزات للوقوف عليها، فكل شيء في الحياة لهُ دورهُ ومرحلتهِ وينتهي!

مبررات واهية

ولكن أن واجهت أي واحدٍ بفعلتهِ التي لا تمدّ لإنسانهِ بصّلة، تراهُ يبرر تصرفهِ بأن الدنيا تغيرت، والزمان لم يعد ذاك الزمان، والإنسان تغير! ولكن هي ليست مُبررات مُقنعة للسير عكس التيار، هذه جميعها لا تُعطي الحق لأيًا كان أن يُمارس عجرفتهِ على الآخرين! لكل إنسان عقل يُفكر وقدرة تعمل وتُميز بين النصفين، وهذا الضمير هو أنتَ الثاني الذي يُحاورك ويتحدث معك ويُقيمك ويُرشدك إلى الصواب حينما تفتح أذنيك وقلبك لهُ، وعكس ذلك فأنت ضائع في دروب الحياة بدونهِ.

أنتَ يا إنسان بهذه الثقافة المُصطنعة تبني قاعدة هشة للأجيال القادمة، أنتَ تُظهر لهم بأن الإنسانية هي مُجرد كلمة لا رديف لها، أنتَ تحول إنسانك مع الزمن إلى مُجرد حجارة لا تحس ولا تشعر بلْ تُضرب بها الآخرين، أنتَ بهذا تُلغي الحواجز بين المُباحات والمُحرمات وتجعلها تضيع مع بعضها البعض، أنتَ تخلط الحابل بالنابل، أنتَ بهذا تُعميّ القلوب وتُخرس الألسنَ وتفتح الأفواه على كلام لا معنى لهُ، أنتَ بهذا تواكب تطورات العصر ولكن تُجاملها لا تتقنها، تعيش في كهوف الماضي!

أين أنت من إنسانيتك؟

إذن مشكلة البشرية أنها لا تقف على إنسانيتها وتُعطي للضمير حقهُ، أصبح معظم البشر على حسب أهوائهم يشكلون حياتهم وحياة الغير، يفرضون فكرهم الجامد والمنحرف ومن ثم يدعون الكمال والاستقامة والصواب، أصبح ميزانهم مُتأرجح ما بين الخير والشر!

ألا تتفقون معي، بأن الإنسان إذا أعطى قيمة لذاتهِ وأحبها كذات إنسانية لكانت حياتهِ معزوفة فريدة من كمان فريد، ولكانت مُجريات حياتهِ كجدول ماء صافي عذب، ولكانت مدن حياتهِ تسكنها حمامات بيضاء تُعانق نسمات الصباح، ولكانت طعم سنين عمره كطعم عصير الرمان.

بقلم سهى بطرس قوجا (زينيت)

الضمير من وحي المقالة

مفهوم الضمير: بين الفطرة والتربية

الضمير هو ما يميز الإنسان عن غيره من الكائنات. إنه الصوت الداخلي الذي يدفعنا للتمييز بين الصواب والخطأ، ويعمل كمرشد أخلاقي في حياتنا اليومية. يتشكل الضمير من خلال التربية والتعليم، وكذلك من التجارب الحياتية التي نمر بها. فكلما كانت القيم الأخلاقية متجذرة في المجتمع، زادت فرص بقاء الضمير حيًا. إن التربية الأسرية تلعب دورًا حاسمًا في تشكيل الضمير، حيث يتعلم الأطفال من آبائهم وأمهاتهم قيم الحب، والاحترام، والتعاطف. يجب تعزيز التربية على القيم الإنسانية منذ الطفولة، لتشكيل جيل يحمل معه معاني الإنسانية والضمير، مما يعزز من قدرة هذا الجيل على مواجهة تحديات الحياة بشكل إيجابي.

تأثير التكنولوجيا على الضمير الإنساني

تساهم التكنولوجيا في تسهيل التواصل، لكنها أيضًا قد تضعف الروابط الإنسانية وتؤدي إلى تآكل القيم. استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مفرط قد يخلق بيئة من السطحية، حيث يفضل الناس التفاعل الافتراضي على اللقاءات الشخصية. يعاني الكثير من الأفراد من العزلة على الرغم من وجود عدد كبير من “الأصدقاء” الافتراضيين. من المهم أن نتبنى استخدام التكنولوجيا بشكل يساهم في تعزيز العلاقات الإنسانية بدلاً من تدميرها. يمكن أن تُستخدم المنصات الرقمية كأدوات لتعزيز الحوار البناء والتواصل الفعّال، مما يساعد في تقوية الروابط بين الأفراد وتعزيز القيم الإنسانية في مجتمعنا.

هل مات الضمير ولم يعد له وجود بين البشر؟
هل مات الضمير ولم يعد له وجود بين البشر؟

الضمير في مواجهة الضغوط الاجتماعية

تتزايد الضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه الأفراد، مما قد يؤدي إلى اتخاذ قرارات تتعارض مع الضمير. في بعض الأحيان، يكون التفكير في المصلحة الشخصية أو النجاح المهني على حساب القيم الأخلاقية. تعزز هذه الضغوط من ظاهرة الازدواجية في السلوكيات، حيث يسعى الأفراد لتحقيق أهدافهم على حساب المبادئ. يجب علينا مواجهة هذه الضغوط من خلال التمسك بمبادئنا وقيمنا، والعمل على بناء بيئة تدعم الأخلاق في كل مجالات الحياة. من خلال تعزيز ثقافة الشفافية والنزاهة، يمكن أن نخلق مجتمعات تضع الضمير في مقدمة أولوياتها، مما يساهم في تحسين نوعية الحياة للجميع.

أهمية الحوار الداخلي في تنمية الضمير

يجب أن نخصص وقتًا للتأمل والنقاش الداخلي حول أفعالنا وقراراتنا. هذا الحوار الداخلي يساعدنا على تقييم سلوكياتنا ويعزز من وعينا الذاتي. إن القدرة على الاستماع لصوت الضمير داخلنا تعد من المهارات الأساسية التي يجب أن نتعلمها. بفتح قلوبنا وأذهاننا لصوت الضمير، يمكننا أن نتعلم من أخطائنا ونصبح أشخاصًا أفضل. الحوار الداخلي هو أداة قوية في تشكيل الهوية الإنسانية، حيث يسمح لنا بتحديد قيمنا وأهدافنا الحياتية. عندما نكون واعين لأنفسنا، نتمكن من اتخاذ قرارات تتماشى مع مبادئنا الأخلاقية، مما يعزز من جودة حياتنا ويعمق من علاقاتنا مع الآخرين.

بناء مجتمع إنساني: مسؤولية مشتركة

لا يقتصر دور تعزيز الضمير على الأفراد فقط، بل هو مسؤولية جماعية. يجب على المجتمعات أن تعمل معًا على تعزيز القيم الإنسانية من خلال التعليم، الثقافة، والفنون. إن بناء مجتمع يتمتع بالضمير يتطلب جهودًا مشتركة تتجاوز الحدود الفردية، مما يسهم في خلق بيئة صحية تعزز من التعاون والتفاهم. يجب أن نعمل على تأسيس مبادرات تهدف إلى تعزيز القيم الإنسانية، مثل برامج التوعية التي تركز على أهمية الضمير في الحياة اليومية. من خلال دعم هذه المبادرات، يمكننا أن نساهم في بناء مجتمع يضع الإنسانية في مقدمة أولوياته، مما يؤدي إلى تحسين العلاقات بين أفراده ويعزز من الرفاهية العامة.

توصيات

  1. تشجيع التعليم القيمي: يجب إدراج التعليم الأخلاقي في المناهج الدراسية لتعزيز القيم الإنسانية منذ الصغر، مما يساهم في بناء جيل واعٍ ومؤثر.
  2. تعزيز الحوار: ينبغي إنشاء منصات للحوار بين الأجيال المختلفة لمناقشة القيم والأخلاقيات، مما يساعد في تبادل الخبرات والأفكار.
  3. الاستخدام المسؤول للتكنولوجيا: علينا تعزيز استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بما يساهم في التواصل الإيجابي وتعزيز القيم الإنسانية، من خلال تبني أساليب تفاعلية تعزز من الروابط الإنسانية.
  4. تنمية الوعي الذاتي: من المهم تشجيع الأفراد على ممارسة التأمل وتقييم سلوكياتهم بشكل دوري، مما يساعدهم على التعرف على نقاط الضعف والقوة في شخصياتهم.
  5. تحفيز العمل الجماعي: يجب دعم المبادرات التي تعزز من العمل الجماعي في مجالات التعليم والثقافة لتعزيز القيم الإنسانية، حيث يمكن أن يكون التعاون وسيلة فعالة لتحقيق الأهداف المجتمعية.
هل مات الضمير ولم يعد له وجود بين البشر؟
هل مات الضمير ولم يعد له وجود بين البشر؟

خاتمة

في ختام هذا النقاش، يجب أن ندرك أن الضمير هو عنصر أساسي في إنسانيتنا. إن فقدانه يعني فقدان القدرة على التفاعل بشكل إيجابي مع أنفسنا ومع الآخرين. من خلال تعزيز الضمير في مجتمعاتنا، يمكننا بناء عالم أكثر إنسانية، حيث تسود القيم الأخلاقية والاحترام المتبادل. إن المسؤولية تقع على عاتق كل فرد في المجتمع لتعزيز هذه القيم، سواء من خلال التعليم أو الحوار أو العمل الجماعي. فلنكن جميعًا جزءًا من هذا التغيير، ولنستعد لتحديات العصر من خلال تمسكنا بقيمنا الإنسانية. إن الحياة ستظل جميلة وذات معنى إذا ما احتفظنا بضميرنا حيًا، ونعمل معًا على تعزيز الإنسانية في كل ما نقوم به.

مواضيع ذات صلة

هل مات الضمير ولم يعد له وجود بين البشر؟

downloadsoft.net

How useful was this post?

Click on a star to rate it!

Average rating 4.6 / 5. Vote count: 26

No votes so far! Be the first to rate this post.

كتاب النور